عندما عاشت مايا أنجيلو في مصر وغانا

 مقال: شون جاكوبز 





في آخِر الخمسينات وأول الستينات انتقلت مجموعة من الفنانين والمثقفين الأمريكيين إلى غانا كجزء من محاولاتهم لإعادة تعريف علاقتهم بالمواطنة الأمريكية وهوياتهم الأفريقية.





في عام 1961، اِنتقلت مايا أنجيلو، العاملة في مجال الحقوق المدنية، ورفيقها فوسومزي ميك، الناشط المنفي من جنوب إفريقيا (والعضو البارز في مؤتمر عموم أفريقيا)، إلى القاهرة، حيث وجدت عملاً في صحيفة راديكالية صغيرة. بعد عام واحد، انفصلت أنجيلو عن ميك وانتقلت إلى غانا مع ابنها. هناك انضما إلى مجتمع أمريكي أسود مغترب صغير ومتماسك ضم الباحث والناشط الكبير وليام إدوارد بورغاردت دو بويز، الكاتب ويليام غاردنر سميث، المحامي باولي موراي، الصحفي جوليان مايفيلد، وعالم الاجتماع سانت كلير دريك. واصلت أنجيلو عملها كصحفية وعملت أيضًا كإدارية في جامعة غانا. تركت أنجيلو انطباعًا كبيرًا لدى مضيفيها، وكرموها بطابع بريدي. خلال ذلك الوقت أيضًا زار مالكوم إكس غانا؛ وهو اللقاء الذي دفع أنجيلو للعودة إلى الولايات المتحدة في عام 1965 لمساعدة مالكوم إكس في تأسيس منظمة الوحدة الأفرو-أمريكية (المنظمة التي بناها حين انفصل عن أمة الإسلام). ومع ذلك، بعد وقت قصير من عودتها، اغتيل مالكوم إكس. يذكرني الأمر بمقابلة أجريتها في عام 2006 مع كيفن جاينز، مؤرخ ومدير مركز الدراسات الأفرو-أمريكية والأفريقية بجامعة ميشيغان (CAAS)، حول كتابه "الأمريكيون الأفارقة في غانا: المغتربون السود وعصر الحقوق المدنية" ( مطبعة جامعة نورث كارولينا، 2006). كنت عضوًا في هيئة التدريس في مركز الدراسات الأفرو-أمريكية والأفريقية بجامعة ميشيغان في ذلك الوقت وجزءًا من سلسلة جون هوب فرانكلين حول تاريخ وثقافة الأمريكيين الأفارقة[1]. يحكي الكتاب قصة مجموعة أنجيلو من المغتربين الأمريكيين الأفارقة في غانا في أواخر الخمسينات وأوائل الستينات. نُشرت المقابلة لأول مرة في ذلك الوقت في مجلة المعهد الدولي بالجامعة.



أحد الموضوعات الرئيسية للكتاب هو موضوع "المواطنة العابرة للحدود"، أي محاولات هذه المجموعة الصغيرة من المغتربين لإعادة تعريف علاقتهم بالمواطنة في الولايات المتحدة والعالم. هل يُمكنك قول المزيد بذلك الشأن؟


كان النضال من أجل المواطنة السياسية في قلب حركة الحقوق المدنية في الستينات. تعتمد المواطنة العابرة للحدود على فكرة أن معنى ومحتوى الجنسية الأمريكية يخضعان للنقاش، ومفتوحان أمام مجموعة من احتمالات السلوك السياسي. من الواضح إلى حدٍ ما أن الوعي الاجتماعي والسياسي ونشاط العديد من الأمريكيين يعتمد على الانتماءات التي تتجاوز الحدود الجغرافية للولايات المتحدة. إن المواطنة العابرة للحدود ليست بالضرورة مقيدة بـ "العرق" أو الدين أو الأصل القومي، ولكن انتماءات مجموعة معينة قد تصبح مصدرًا لمظاهرها. في الواقع، المشاركة المدنية القائمة على الوعي العالمي ممكنة لأي شخص، في قضايا مثل الأمن العالمي، أو السياسة التجارية، أو النسوية الدولية، أو حماية البيئة. أحد الأسباب التي دفعتني إلى تأليف الكتاب كان ردًا على انتقادات داخل اليسار الأمريكي لما يسمى بسياسات الهوية السوداء. أردت أن أبين أن السياسة المتجذرة في خصوصية السود والتضامن مع أفريقيا لم تكن بالضرورة مختزلة أو مستقطبة. لقد استوحيت بطريقة ما مما أنجزه مثقفو الزنوجة[2].



هل بإمكانك التوسع في هذه النقطة حول الزنوجة؟


نشأت الزنوجة خلال ثلاثينيات القرن الماضي كبرهان جامح للهوية الثقافية الأفريقية ضد الثقافة الاستعمارية القمعية بواسطة الكتاب والمفكرين الفرانكفونيين السود والأفارقة. يعتقد هؤلاء الكتاب أن الابتكار الثقافي والفني الأفريقي والمستوحى من الأفريقي سوف يترك بصماته على الثقافة العالمية. في وقت لاحق، أعاد القادة السياسيون الفرنسيون-الأفريقيون المؤيدون للغرب صياغة الزنوجة لأنهم أرادوا إعطاء حظوة للثقافة على السياسة. إن حجتي معبرة عن الزنوجة بمعنى أن التعبير الثقافي والسياسي للسود يمكن أن يكون له أهمية عالمية.



المواطنة العابرة للحدود تحتفي وتنتقد الذات في آن واحد؟


كان المغتربون الأمريكيون الأفارقة في غانا ينتقدون معاقل حركة الحقوق المدنية والسياسة الخارجية للولايات المتحدة. ويحاولون صياغة سياسة سوداء مستقلة لمقاومة الحرب الباردة. كانوا هم وحلفاؤهم النشطاء في الولايات المتحدة يعتقدون أن أهداف حركة الحقوق المدنية للمساواة المدنية والسياسية لن تعالج التفاوتات الاقتصادية في الأحياء الحضرية وبقية المجتمع الأمريكي. لذلك انجذب هذا التشكيل الراديكالي للنشطاء الأمريكيين الأفارقة إلى ما اعتبروه الوعد الثوري لغانا. أعلن رئيس وزراء البلد، كوامي نكروما، دعمه لنضالات الأفارقة الآخرين الذين ما زالوا يقاتلون للإطاحة بحكم الأقلية البيضاء والمنحدرين من أصل أفريقي الذين يقاتلون من أجل المساواة الكاملة في الولايات المتحدة.



موضوع مهم آخر هو البعد الدولي للنضال من أجل الحقوق المدنية نفسها. هل هذه قصة أصبحت جزءًا من الفهم التاريخي الواسع لحركة الحقوق المدنية؟


إن النظر إلى الحقوق المدنية على أنها قضية دولية وليس مجرد مسألة داخلية أو محلية هو نهج ترسخ بين المؤرخين الأمريكيين على مدى العقد الماضي أو نحو ذلك. هناك قبول عام بأن الأمريكيين الأفارقة كانوا متورطين في السياسة الخارجية للولايات المتحدة خلال الحرب الباردة. يقدم كتابي تفسيرًا جديدًا لحركة الحقوق المدنية والليبرالية الأمريكية من خلال إبراز أفريقيا وتجارب الأمريكيين الأفارقة هناك. زار العديد من الأمريكيين الأفارقة والهنود الغربيين غانا أو عاشوا فيها - مارتن لوثر كينغ، سي إل آر جيمس، محمد علي، مالكولم إكس ومايا أنجيلو، على سبيل المثال لا الحصر. التحدي بالنسبة لي كمؤرخ أمريكي هو المساعدة في إدراج أهمية إنهاء الاستعمار في إفريقيا للأحداث في الولايات المتحدة في كتبنا المدرسية. ومن المفارقات أن تبرز أهمية هذا البعد الدولي من خلال المحاولات المنسقة في وسائل الإعلام الأمريكية الرئيسية خلال الستينيات من القرن الماضي للإشارة إلى أن الأمريكيين الأفارقة والأفارقة ليس بينهم أي شيء مشترك سياسيًا. هذا الرأي كذبه التضامن الفعلي. على سبيل المثال، عندما قُتل رئيس الوزراء الكونغولي باتريس لومومبا في عام 1961، احتج الأمريكيون الأفارقة في الأمم المتحدة على ذلك وغيره من الاحتجاجات التي قام بها الأمريكيون الافارقة مما تسبب في قلق دوائر الحكومة الأمريكية. في عام 1963، قام المغتربون السود في غانا بمظاهرة في السفارة الأمريكية تعاطفًا مع المسيرة الضخمة في واشنطن. كانت هناك مظاهرات أخرى مماثلة في جميع أنحاء العالم، في باريس وأوسلو وميونيخ وتل أبيب وأماكن أخرى. لكن تلك التي حظيت بأكبر قدر من التدقيق من قبل المسؤولين الأمريكيين كانت مظاهرة المغتربين في غانا.



لقد وجدت حياة جوليان مايفيلد مثيرة للاهتمام بشكل خاص. كاتب وممثل وصحفي وناشط من هارلم له جذور في الجنوب، ويمثل معضلة المغتربين. عارض سياسات الحرب الباردة الأمريكية وأراد الدفاع عن نكروما وانتقاد الاستبداد الزاحف للنظام الغاني. لماذا تعتقد أنه لا يتم تذكره بشكل أفضل؟


ترمز حياة مايفيلد إلى الوعد المنكوص لنضالات التحرر في جميع أنحاء العالم الأسود، بعيدًا عن روايات "الشعور بالسعادة" الشعبية. لقد قام بتجسيد لحظة متناقضة حيث تعايش القمع السياسي في الحرب الباردة مع ظهور المساواة الرسمية في الولايات المتحدة، فقد اصطدم بالسلطات الأمريكية ومكتب التحقيقات الفيدرالي وذهب إلى المنفى في غانا، حيث كافح للحفاظ على الأمل ضد الكلبيّة[3]. بعد غانا، حاول تحقيق النجاح في الولايات المتحدة كممثل وكاتب، مثلما فعلت زميلته المغتربة مايا أنجيلو. عندما فشل ذلك، اختار المنفى لعدة سنوات في دولة غيانا الكاريبية، مطاردًا وهم الثورة.



هل كان الأمر يستحق كل هذا العناء لهؤلاء المغتربين؟ هل تقول إن غانا كانت ملاذًا لهم؟ للنمو؟ للتحرر؟ شيء آخر؟


من الصعب التعميم. لقد استثمر الكثيرون بعمق في ثورة غانا، ولذا فقد تعرضوا للدمار بعد الانقلاب الذي أطاح بنكروما في عام 1966. بالنسبة لمايفيلد وآخرين، اغتيال مالكوم إكس، الذي كان قد زار المغتربين في غانا، والذي كان من الممكن أن يكون داعية قويًا لسياساتهم، ربما كان صادمًا أكثر. ظل سانت كلير دريك منشغلاً بمسألة الخطأ الذي حدث في غانا. بالنسبة للآخرين، مثل سيلفيا بون، كان الوقت الذي قضته في غانا تكوينيًا لمسيرتها المهنية كمؤرخة فنية. لم يكن هدفي من الكتاب إثبات أن هناك بالضرورة تضامنًا تلقائيًا بين الأفارقة والأمريكيين الأفارقة. ومع ذلك، أردت أن أوضح كيف تدخل المسؤولون والصحفيون الأمريكيون الليبراليون ضد التضامن الفعلي بين الأفارقة والأمريكيين الأفارقة خلال الستينيات من القرن الماضي فيما يتعلق بالجنسية الأمريكية والنشاط.



هل هناك أي "موقع" موازٍ للناس - السود واليساريين والتقدميين، ولك - اليوم؟ أم أن تلك اللحظة قد مرت؟


ينجذب اليساريون والتقدميون إلى الرئيس هوغو شافيز في فنزويلا لأنه يتحدى الهيمنة الأمريكية والليبرالية الجديدة. لكن غانا كانت فريدة من نوعها. كانت الولايات المتحدة في قبضة قمع الحرب الباردة، ولا زالت دولة جيم كرو التي لم تنتقل بعد إلى المساواة السياسية الكاملة. مع استمرار نقص الفرص والحرية في الولايات المتحدة بالنسبة للأمريكيين الأفارقة، كانت أفريقيا وغانا أكثر مواقع الانتماء المنشودة. بينما لا تزال الهجرة إلى أفريقيا مستمرة - أهمها في الآونة الأخيرة هجرة رواد الأعمال إلى جنوب أفريقيا - يبدو اليوم أنه من المرجح أن يتماهى الناس مع قضية بعينها، سواء كان ذلك لتعزيز الوعي بمرض الإيدز، أو التعبئة ضد الإبادة الجماعية في السودان. على العموم، أصبح الرابط الآن أكثر روحانية وثقافية، ولكن يمكن أن يكون ذلك أساسًا للتضامن السياسي وممارسة المواطنة العابرة للحدود.




ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 [1] تقوم سلسلة جون هوب فرانكلين حول تاريخ وثقافة الأمريكيين من أصل أفريقي بنشر كتب رائدة مستوحاة من عدة تخصصات، تلقي الضوء على ماضي أمريكا متعدد الثقافات والطرق التي ساهم بها في إثراء تجربة الأمة الديمقراطية.


[2] الزنوجة‏ إطار للنقد والتنظير الأدبي، طوَّره المفكرون والكتاب والسياسيون من الشتات الأفريقي في ثلاثينيات القرن العشرين، لزيادة «وعي السود» في أفريقيا والشتات الأفريقي عمومًا. أسسها كل من: الشاعر المارتينيكي إيمي سيزير، وليوبولد سيدار سنغور (أول رئيس للسنغال)، وليون داماس الغوياني. انتقد مفكرو الزنوجة الاستعمارية، وأكدوا على أهمية الشعور بالانتماء لأفريقيا وارتباط جميع ذوي الأصول الأفريقية في جميع أنحاء العالم. وظَّف مفكِّروها الفلسفة السياسية الماركسية في تقاليد السود الراديكالية. اعتمدوا على أسلوب أدبي سريالي، ويقال إنهم أيضًا تأثروا بالأسلوبية السريالية، وغالبًا ما درسوا في كتاباتهم الوجود بين الشتات، وتأكيد الذات والهوية، وأفكار «الديار» و«الذهاب إلى الديار» و«الانتماء». ربما تكون قصيدة سيزير «مفكِّرة رجوع إلى أرضي الأصلية» أبرز عمل زنوجي. 


[3] الكلبية أو الفلسفة التشاؤمية‏؛ هي مذهب فلسفي أسسه الفيلسوف أنتيستنيس في القرن الرابع ق.م.، وهو أحد أتباع الفيلسوف اليوناني سقراط. والتشاؤمية أشبه بالكلبيّة بعدم الثقة من وجود الخير في الطبيعة البشرية. ومن الذين كان لهم أثر بارز في فلسفة التشاؤم الفيلسوف الألماني شوبنهاور.






** تم نشر المقال في الأصل في موقع Africa Is a Country وهو موقع للرأي والتحليل والكتابة الجديدة.


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


شون جاكوبس ، مؤسس ومحرر في مجلة أفريكا إز أي كانتري، عضو في هيئة التدريس في المدرسة الجديدة وزميل شاتلوورث














Comments