رسالة إلى الإجيبشيان جازيت

 



تمهيد


في عام 1964، وخلال الرحلة الثانية التي قام بها مالكوم إكس لأفريقيا والشرق الأوسط، حضر مالكوم بصفته مراقبًا للقمة الثانية لمنظمة الوحدة الأفريقية في القاهرة، وقدم خلالها مناشدة لرؤساء الدول الأفارقة الذين حضروا. في المناشدة تحدث مالكوم عن الأوضاع القاسية التي يعيشها الأفروأمريكيين في الولايات المتحدة والعنصرية والاضطهاد الواقع عليهم بواسطة أجهزة الدولة والعنصريين البيض؛ دعت المناشدة رؤساء الدول الأفارقة إلى رفع معاناة السود أمام لجنة حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، وتحدثت عن ضرورة الاعتراف بمشاكل الأفروأمريكيين وتضمينها في مشاكل القارة، لأنها كما ذكر مالكوم لا تنفصل عن مشاكل الأفارقة، لأن الأفروأمريكيين [بحد وصفه] هم أفارقة أخذوا عنوة من القارة عبر مصادفة وحشية واستُعبِدوا في الولايات المتحدة لمئات السنين. كتب مالكوم لاحقًا رسالة للإجيبشيان جازيت، بدعوة من الصحفى والكاتب الأفروأمريكي ديفيد غراهام دو بويز، الذي كان يعمل حينها في الصحيفة، ووصف خلالها أيضًا أوضاع الأفروأمريكيين في الولايات المتحدة، رحلة الحج التي قام بها إلى مكة، والحاجة إلى توحد جميع المجموعات في المجتمع الأفروأمريكي تحت نفس الهدف والغاية، "الحرية والعدالة والمساواة والحياة والانعتاق". نعيد نشر الرسالة في المدونة كجزء من سعينا لإلقاء الضوء على العمل العموم أفريقي الذي كان يحدث في القاهرة خلال الخمسينيات والستينيات.


في سياق "ضوء النجيمات البعيدة - عن القاهرة والعموم أفريقية، مكتبة مواد بحثية وملتقيات وعروض حية"، سوف نستضيف يوم الأحد الموافق 27 فبراير، في السابعة مساءً الفنانة الأمريكية نسينغا نايت التي ستقدم قراءة أدائية / ممارسة اجتماعية عنونتها "إكس يتحدث"، والتي ستتضمن المناشدة التي قدمها مالكوم إكس لرؤساء الدول الأفارقة خلال القمة الثانية لمنظمة الوحدة الأفريقية، والمقابلة التي أجراها معه ميلتون هنري، رئيس شركة البث والتسجيل الأفروأمريكية في ديترويت، بعد فترة وجيزة من القمة.





ــــــــــــــــــ



رسالة إلى الإجيبشيان جازيت

مالكوم إكس

(25 أغسطس، 1964)



أنا لست عنصريًا، ولا أؤيد أيًا من مبادئ العنصرية. لكن بذور العنصرية زُرعت بثبات في قلوب الأمريكيين البيض منذ بداية هذه البلد. جَذَرت بذور العنصرية نفسها بعمق في العقل الباطن للعديد من الأمريكيين البيض حتى أنهم لا يعُون في كثير من الأحيان وجودها، لكن من السهل رصدها في أفكارهم، كلماتهم وأفعالهم.


في الماضي سمحت لنفسي بأن استخدم بواسطة إلايجا محمد، زعيم الطائفة المعروفة باسم المسلمين السود، لإصدار اتهامات شَعواء ضد البيض جميعهم، والعرق الأبيض بأكمله، وقد تسببت هذه التعميمات في إصابات لبعض البيض الذين لا يستحقون الأذية. لكن بفضل التنوير الروحي الذي حظيت به خلال رحلة حجي الأخيرة إلى مدينة مكة المكرمة، لم أعد أوافق على إطلاق اتهامات شَعواء تجاه أي عرق.


لقد منحني الحج إلى مكة تَبصُرًا جديدًا للأخوية الحقة للإسلام، والتي تشمل كل الأعراق البشرية. وسع الحج رؤيتي، عقلي ووجهة نظري، وجعلني أكثر مرونة في التعامل مع تعقيدات الحياة العديدة وردود أفعالي تجاه مفارقاتها.


رأيت في مكة روح الوحدة والأخوية الحقة التي أظهرها عشرات الآلاف من الناس من جميع أنحاء العالم، من الشُقر ذوي العيون الزرقاء إلى الأفارقة ذوي البشرة السوداء. وقد ساعد ذلك على اقتناعي بإمكانية علاج بعض الأمريكيين البيض من العنصرية المتفشية التي تلتهمهم وتوشك على تدمير هذا البلد.


وأجاهد الآن لعيش حياة المسلم السني الحقيقي.


أعتزم أن أكون حريصًا في المستقبل على عدم الحكم على أي شخص لم تثبت إدانته. يجب أن أكرر أنني لست عنصريًا ولا أؤيد أيًا من مبادئ العنصرية. أستطيع أن أصرح بصدق أنني لا أتمنى شيئًا سوى الحرية والعدالة والمساواة والحياة والانعتاق والسعي إلى السعادة لجميع الناس.


ومع ذلك، فإن القانون الأول للطبيعة هو الحفاظ على الذات، لذا فإن اهتمامي الأول هو المجموعة المضطهدة التي أنتمي إليها، الـ 22 مليون أفروأمريكي المحرومين من حقوق الإنسان الراسخة أكثر من أي شعب آخر على وجه الأرض اليوم.


لكن الوقت ينفد بالنسبة لأمريكا. لم يمتلئ 22 مليون أفروأمريكي بعد بالكراهية أو الرغبة في الانتقام، كما تعتقد دعاية المناصرين للتمييز العنصري. القانون العالمي للعدالة كافٍ لإصدار الأحكام على البيض الأمريكيين المدانين بالعنصرية. سوف يعاقب القانون نفسه أيضًا أولئك الذين استفادوا من الممارسات العنصرية لأجدادهم ولم يفعلوا شيئًا للتكفير عن "خطايا آبائهم". انظر حولك فقط على هذه الأرض اليوم وشاهد المشاكل المتزايدة التي يواجهها هذا الجيل من البيض الأمريكيين. إن "خطايا آبائهم" تنكبُ بالتأكيد على رؤوسهم. سيعترف معظم البيض الأمريكيين الأذكياء بحرية اليوم ودون تردد أن جيلهم الحالي يعاقب بالفعل ويبتلى بسبب الأفعال الشريرة التي ارتكبها أجدادهم عندما استعبدوا ملايين الأفروأمريكيين في تلك البلد.


لكن ليس من الضروري أن يسعى ضحاياهم - الأفروأمريكيين - إلى الانتقام. الظروف ذاتها التي خلقها البيض الأمريكيون أَصابتهم بالجنون والموت. والآن يحصدون ما زَرعه آباؤهم. "عادت خطاياهم لتنقلِب عليهم". لكننا نحتاج، كضحايا أفروأمريكيين إلى قضاء المزيد من الوقت في محو "ندوب العبودية" من ظهور وعقول شعبنا، والندوب الجسدية والعقلية التي خلفتها أربعمائة عام من المعاملة الهمجيّة في أمريكا على أيدي العنصريين البيض.


يكمن مفتاح نجاحنا في العمل الموحد. لطالما كان الافتقار إلى الوحدة بين مختلف الجماعات الأفروأمريكية المنخرطة في نضالنا هو السبب في فشلنا في تحقيق مكاسب ملموسة في حربنا ضد القمع والاستغلال والتمييز والعزل والإهانة والإذلال في أمريكا. قبل تصحيح الوضع البائس لـ 22 مليون "مواطن من الدرجة الثانية"، يجب على جميع المجموعات في المجتمع الأفروأمريكي تشكيل جبهة موحدة.


فقط من خلال الجهود الموحدة يمكن حل مشاكلنا هناك.


كيف نوحد المجتمع الأفروأمريكي؟ الجهل ببعضنا البعض هو ما جعل وحدتنا مستحيلة في الماضي. لذلك نحن بحاجة إلى التنوير. نحن بحاجة إلى مزيد من التنوير حول بعضنا البعض. النور يخلق التفاهم، والتفاهم يخلق المحبة، والمحبة تخلق الصبر، والصبر يخلق الوحدة. بمجرد أن نحصل على مزيد من المعرفة (النور) حول بعضنا، سنتوقف عن إدانة بعضنا وسيتم إنشاء جبهة موحدة.


كل الـ 22 مليون أفروأمريكي لديهم نفس الهدف والغاية الأساسية. نريد الحرية والعدالة والمساواة، نريد الاعتراف والاحترام كبشر. نحن لسنا منقسمين على الأهداف، لكننا سمحنا لأعدائنا العنصريين أن يفرقونا حول أساليب تحقيق هذه الأهداف المشتركة. لقد قام عدونا بتضخيم نقاط الاختلاف الصغيرة بيننا، ثم ناورنا لإضاعة وقتنا في الجدال وقتال بعضنا على قضايا غير مهمة وعرضية.


الهدف المشترك لـ 22 مليون أفروأمريكي هو الاحترام كبشر، والحق الذي منحه الله لنا لنكون بشرًا. هدفنا المشترك هو الحصول على حقوق الإنسان التي تنكرها علينا أمريكا. لا يمكننا أبدًا الحصول على الحقوق المدنية في أمريكا حتى يتم استعادة حقوق الإنسان أولًا. لن يتم الاعتراف بنا أبدًا كمواطنين هناك حتى يتم الاعتراف بنا كبشر أولًا.


لا يستطيع "النظام" الأمريكي الحالي أبدًا أن ينتج الحرية للرجل الأسود. لا يمكن للدجاجة أن يضع بيضة بط لأن "نظام" الدجاجة غير مصمم أو مجهز لإنتاج بيضة بط. تم إنتاج نظام الدجاجة بواسطة بيضة دجاجة، وبالتالي يمكن إعادة إنتاج ما أنتجها فقط.


لقد نشأ "النظام" الأمريكي (السياسي والاقتصادي والاجتماعي) من استعباد الرجل الأسود، وهذا "النظام" الحالي قادر فقط على إدامة هذا الاستعباد.


لكي تنتج الدجاجة بيضة بط، يجب أن يخضع نظامها لتغيير ثوري جذري ومؤلم ... أو ثورة. فليكن ذلك مع نظام الاستعباد في أمريكا.


في الماضي كانت جماعات الحقوق المدنية في أمريكا تحاول بحماقة الحصول على الحقوق الدستورية بواسطة نفس الحكومة التي تآمرت ضدنا لحرمان شعبنا من هذه الحقوق. هيئة عالمية (محكمة عالمية) فقط يمكن أن تكون مفيدة في الحصول على تلك الحقوق التي تخص الإنسان بحكم كونه عضوًا في الأسرة البشرية.


طالما يُصنف النضال لأجل حرية 22 مليون أفروأمريكي على أنه قضية حقوق مدنية، فإنه يظل مشكلة محلية تحت ولاية الولايات المتحدة، وعلى هذا النحو، يمنع تدخل ودعم إخوتنا وأخواتنا في أفريقيا وآسيا، وأمريكا اللاتينية، وكذلك ذوي النوايا الحسنة من البيض في أوروبا. ولكن بمجرد أن يتم رفع كفاحنا من مجرد كونه كفاح حقوق مدنية إلى كفاح حقوق إنسان، يصبح نضالنا لأجل الحرية مدولًا.


تمامًا كما أن انتهاك حقوق الإنسان لإخوتنا وأخواتنا في جنوب أفريقيا وأنغولا هو قضية دولية وضعت العنصريين في جنوب أفريقيا والبرتغال تحت هجوم جميع الحكومات المستقلة الأخرى في الأمم المتحدة. لذلك حالما يُرفع انتهاك حقوق 22 مليون أفروأمريكي أيضًا إلى مستوى حقوق الإنسان، سيصبح نضالنا قضية دولية، وهمًا مباشرًا لجميع الحكومات المتحضرة الأخرى، يمكننا حينها تقديم الحكومة الأمريكية العنصرية أمام المحكمة العالمية ونجعل العنصريين مكشوفين ومُدانين باعتبارهم مجرمين.


لماذا يجب المثول أمام محكمة دولية لحل مشكلة العرق في أمريكا؟ قبل مائة عام تم خوض حرب أهلية من المفترض أن تحررنا من عنصري الجنوب. لكننا لا زلنا ضحايا عنصريتهم. كان من المفترض أن يحررنا إعلان تحرير العبيد الخاص بلينكولن. لكننا لا زلنا نبكي لأجل الحرية. قاتل السياسيون لأجل إدخال تعديلات على الدستور من المفترض أن تجعلنا مواطنين من الدرجة الأولى. لكننا لا زلنا مواطنين من الدرجة الثانية.


في عام 1954، أصدرت المحكمة العليا الأمريكية نفسها قرارًا تاريخيًا يحظر الفصل العنصري في المدارس، وقد مرت عشر سنوات ولم يتم تطبيق هذا القانون حتى الآن، حتى في الولايات الشمالية.


إذا كانت أمريكا البيضاء لا تعتقد أن الأفروأمريكيين، وخاصة الجيل القادم، قادر على تبني تكتيكات حرب العصابات التي يستخدمها المُضطهدُون الآن في أماكن أخرى على هذه الأرض، فإنها ترتكب خطأً فادحًا. إنها تستخف بالقوة التي يمكن أن تسبب لها أكبر قدر من الأذى.


يجب بذل جهد حقيقي صادق لحل الشَكاوَى العادلة لـ 22 مليون أفروأمريكي على الفور أو سيفوت الأوان خلال وقت قصير.



Comments