مناشدة لرؤساء الدول الأفارقة





تمهيد


في عام 1964، وخلال الرحلة الثانية التي قام بها مالكوم إكس لأفريقيا والشرق الأوسط، حضر مالكوم بصفته مراقبًا للقمة الثانية لمنظمة الوحدة الأفريقية في القاهرة، وقدم خلالها مناشدة للحضور من رؤساء الدول الأفارقة. في المناشدة تحدث مالكوم عن الأوضاع القاسية التي يعيشها الأفروأمريكيين في الولايات المتحدة والعنصرية والاضطهاد الواقع عليهم بواسطة أجهزة الدولة والعنصريين البيض؛ دعت المناشدة رؤساء الدول الأفارقة إلى رفع معاناة السود أمام لجنة حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، وتحدثت عن ضرورة الاعتراف بمشاكل الأفروأمريكيين وتضمينها في مشاكل القارة، لأنها كما ذكر مالكوم لا تنفصل عن مشاكل الأفارقة، لأن الأفروأمريكيين [بحد وصفه] هم أفارقة أخذوا عنوة من القارة عبر مصادفة وحشية واستُعبِدوا في الولايات المتحدة لمئات السنين. هنا، نعيد نشر المناشدة كجزء من سعينا لإلقاء الضوء على العمل العموم أفريقي الذي كان يحدث في القاهرة خلال الخمسينيات والستينيات.


في سياق "ضوء النجيمات البعيدة - عن القاهرة والعموم أفريقية، مكتبة مواد بحثية وملتقيات وعروض حية"، استضفنا يوم الأحد الموافق 27 فبراير، في السابعة مساءً الفنانة الأمريكية نسينغا نايت التي قدمت قراءة أدائية / ممارسة اجتماعية عنونتها "إكس يتحدث"، وتضمن الأداء المناشدة التي قدمها مالكوم إكس لرؤساء الدول الأفارقة خلال القمة الثانية لمنظمة الوحدة الأفريقية، والمقابلة التي أجراها معه ميلتون هنري، رئيس شركة البث والتسجيل الأفروأمريكية في ديترويت، بعد فترة وجيزة من القمة.




ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


مناشدة لروساء الدول الأفارقة

مالكوم إكس




طِيلَةَ شهر يونيو، 1964، تحدث مالكوم إكس، طَاَلب، ثَقَف ورَتَب لإنشاء حركة جديدة غير دينية لتعزيز الوحدة السوداء والعمل لأجل الحرية "بكافة السبل اللازمة". وفي 28 يونيو، ولدت الحركة الجديدة تحت اسم منظمة الوحدة الأفريقية الأمريكية، تم نشر "بيان أهدافها وغاياتها الأساسية" للجمهور، وتم تعيين مالكوم رئيسًا لها.


بعد ذلك بوقت قصير، في 9 يوليو، غادر مالكوم الولايات المتحدة مرة أخرى متوجهًا إلى أفريقيا والشرق الأوسط. كان هدفه العاجل حضور "القمة الأفريقية" - الاجتماع الثاني لمنظمة الوحدة الأفريقية، التي شُكلت في عام 1963 لتأسيس فعلٍ مشتركٍ بواسطة الحكومات الأفريقية المستقلة.


عُقد مؤتمر منظمة الوحدة الأفريقية في القاهرة في الفترة من 17 إلى 21 يوليو، وحضره جميع رؤساء الدول الأعضاء الأربع والثلاثين تقريبًا. ألقى الخطاب الترحيبي رئيس الجمهورية العربية المتحدة جمال عبد الناصر الذي أشاد، أثناء استعراضه لأحداث العام الماضي، بقانون الحقوق المدنية لعام 1964 الذي سُن مؤخرًا في الولايات المتحدة.


تم قبول مالكوم كمراقب في المؤتمر. وبهذه الصفة سُمح له بتقديم مذكرة من ثماني صفحات للمناديب لحثهم على دعم نضال السود في الولايات المتحدة ومساعدتهم في نقل محنة الأمريكي الأسود إلى الأمم المتحدة. تم تسليم المذكرة التالية إلى المناديب في 17 يوليو، قبل يوم واحد من الأحداث التي أطلق عليها اسم "أعمال شغب هارلم".



أصحاب السعادة:


لقد أرسلتني منظمة الوحدة الأفريقية الأمريكية لحضور مؤتمر القمة الأفريقي التاريخي هذا كمراقب، لتمثيل مصالح 22 مليون أفروأمريكي تُنتهك حقوقهم الإنسانية يوميًا بسبب عنصرية الإمبرياليين الأمريكيين.


تم تشكيل منظمة الوحدة الأفريقية الأمريكية بواسطة قطاع عريض من المجتمع الأفروأمريكي، وتم تصميمها وفقًا لرسالة وروح منظمة الوحدة الأفريقية.


مثلما دعت منظمة الوحدة الأفريقية جميع القادة الأفارقة إلى تناسي خلافاتهم والتوحد على أهداف مشتركة لأجل الصالح العام لجميع الأفارقة - فقد دعت منظمة الوحدة الأفريقية الأمريكية القادة الأفروأمريكيين في أمريكا لتناسِي خلافاتهم وإيجاد نقاط اتفاق يمكنهم عبرها العمل متحدين لصالح 22 مليون أفروأمريكي.


وبما أن الـ 22 مليونًا منا كانوا في الأصل أفارقة، يعيشون الآن في أمريكا دون اختيارهم وبسبب مصادفة وحشية في تاريخنا، فإننا نؤمن بقوة بأن مشاكل أفريقيا هي مشاكلنا وأن مشاكلنا هي مشاكل أفريقيا.


أصحاب السعادة:


كما نؤمن بأنكم كرؤساء للدول الأفريقية المستقلة فإنكم الرعاة لجميع الشعوب الأفريقية في كل مكان، سواء كانوا لا يزالون في أوطانهم في القارة الأم أو مشتتين في الخارج.


ألمح بعض القادة الأفارقة خلال هذا المؤتمر إلى أن لديهم مشاكل كافية هنا في القارة الأم دون إضافة المشكلة الأفروأمريكية.


مع كل الاحترام لمناصبكم المُوَقَّرة، يجب أن أذكركم جميعًا بأن الراعي الصالح سيترك تسعة وتسعين خروفًا في أمان بالمنزل، ليذهب ويساعد ذاك الذي ضل ووقع في براثن الذئب الإمبريالي.


نحن، في أمريكا، إخوتكم وأخواتكم المفقودون منذ زمن بعيد، وأنا هنا فقط لأذكركم بأن مشاكلنا هي مشاكلكم. حين "أفقنا" كأفروأمريكيين اليوم، وجدنا أنفسنا في أرض غريبة رفضتنا، ومثل الابن الضال، فإننا نلجأ إلى إخوتنا الأكبر للمساعدة. وندعو أن تلقى توسلاتِنا آذانًا صاغية.


لقد أُخذنا قسرًا، مكبلين بالأغلال من هذه القارة الأم وقضينا الآن أكثر من 300 عام في أمريكا، نعاني من أبشع أشكال التعذيب الجسدي والنفسي الممكنة.


شهد العالم بأسره خلال السنوات العشر الماضية، تعرض رجالنا ونسائنا وأطفالنا للهجوم والعض بواسطة كلاب الشرطة الشرسة، والضرب المبرح من قبل عصابات الشرطة، والإلقاء داخل المجارير بخراطيم المياه ذات الضغط العالي التي تمزق الملابس عن أجسادنا واللحم عن أطرافنا.


وجميع هذه الفظائع الهَمَجِيّة التي ارتكبت بحقنا بواسطة السلطات الحكومية الأمريكية، والشرطة نفسها، لا لسبب سوى سعينا للاعتراف والاحترام الممنوحين للآخرين في أمريكا.





أصحاب السعادة:


إن الحكومة الأمريكية إما عاجزة أو ممانعة عن حماية أرواح وممتلكات 22 مليون من إخوتكم وأخواتكم الأفروأمريكيين. نحن نقف عُزَّلًا، تحت رحمة العنصريين الأمريكيين الذين يقتلوننا متى شاءوا دون سبب سوى كوننا سودًا ومن أصل أفريقي.


تم العثور على جثتين لسود في نهر المسيسيبي هذا الأسبوع. وفي الأسبوع الماضي قُتل مدرس أسود غير مسلح بدم بارد في جورجيا. قبل أيام قليلة من ذلك، اختفى ثلاثة من الفاعلين في مجال الحقوق المدنية تمامًا، وربما قُتلوا أيضًا، فقط لأنهم كانوا يعلمون شعبنا في ميسيسيبي كيفية التصويت وكيفية تأمين حقوقهم السياسية.


مشاكلنا هي مشاكلكم. لقد عشنا لأكثر من 300 عام داخل ذلك العرين الأمريكي للذئاب العنصرية، في خوف دائم من فقدان الأرواح والأطراف. في الآونة الأخيرة، تعرض ثلاثة طلاب كينيين للضرب المبرح بواسطة شرطة نيويورك ظنًا منهم أنهم سود أمريكيين. بعدها بوقت قصير، تعرض اثنان من الدبلوماسيين الأوغنديين للضرب على أيدي شرطة مدينة نيويورك، التي اعتقدت خطأ أيضًا أنهما من السود الأمريكيين.


إذا تعرض الأفارقة للضرب المبرح أثناء زيارتهم لأمريكا فقط، فتخيلوا المعاناة الجسدية والنفسية التي تلقاها إخوتكم وأخواتكم الذين عاشوا هناك لأكثر من 300 عام.


مشكلتنا هي مشكلتكم. بغض النظر عن مقدار الاستقلال الذي يحصل عليه الأفارقة هنا في القارة الأم، فلو لم ترتدي الزي الوطني الخاص بك في جميع الأوقات حين تزور أمريكا، فقد يُظَن خطئًا أنك واحد منا وستعاني من نفس الإذلال النفسي والتشويه الجسدي الذي يحدث يوميًا في حياتنا.


لن تُحل مشاكلكم بالكامل أبدًا حتى وما لم يتم حل مشكلاتنا. لن تحظوا بالاحترام الكامل أبدًا حتى وما لم يتم احترامنا أيضًا. لن يتم تعريفكم أبدًا كبشر أحرار حتى وما لم يتم الاعتراف بنا أيضًا ومعاملتنا كبشر.


مشكلتنا هي مشكلتكم. إنها ليست مشكلة سوداء ولا مشكلة أمريكية. إنها مشكلة عالمية. مشكلة للبشرية. إنها ليست مشكلة حقوق مدنية ولكنها مشكلة حقوق إنسان.


إذا تمكن قاضي المحكمة العليا في الولايات المتحدة، آرثر غولدبرغ، قبل بضعة أسابيع، من إيجاد أسس قانونية للتهديد بتقديم روسيا إلى الأمم المتحدة واتهامها بانتهاك حقوق الإنسان لأقل من ثلاثة ملايين يهودي روسي، ما الذي يجعل إخوتنا الأفارقة مترددين في تقديم حكومة الولايات المتحدة إلى الأمم المتحدة واتهامها بانتهاك حقوق 22 مليون أفروأمريكي؟


ندعو الله ألا يحرر إخوتنا الأفارقة أنفسهم من الاستعمار الأوروبي فقط لكي يتم التغلب والسيطرة عليهم الآن عبر الدولارية الأمريكية. لا تدعوا العنصرية الأمريكية "مشروعة" بواسطة الدولارية الأمريكية.


أمريكا أسوأ من جنوب أفريقيا، لأن أمريكا ليست عنصرية فحسب، بل إنها أيضًا مخادعة ومنافقة. تدعو جنوب أفريقيا إلى الفصل العنصري وتمارسه. لذلك فإنها على الأقل، تطبق ما تعظ به. بينما أمريكا تدعو إلى الاندماج وتمارس الفصل العنصري. إنها تعظ بشيء بينما تمارس شيئًا آخر بشكل خادع.


جنوب أفريقيا مثل الذئب الشرير، لأنها تعادي صراحة الإنسانية السوداء. لكن أمريكا ماكرة مثل الثعلب، ودودة ومبتسمة، لكنها أكثر شراسة وفتكًا من الذئب.


الذئب والثعلب كلاهما أعداء للبشرية. كلاهما نابِيّ؛ كلاهما يٌذلان ويُشوهان ضحاياهُما. كلاهما له نفس الأهداف، لكنهما يختلفان فقط في النهُوج.


إذا كانت جنوب أفريقيا مذنبة بانتهاك حقوق الأفارقة هنا في القارة الأم، فإن أمريكا مذنبة بارتكاب انتهاكات أسوأ ضد 22 مليون أفريقي في القارة الأمريكية. وإذا لم تكن عنصرية جنوب أفريقيا قضية محلية، فإن العنصرية الأمريكية ليست قضية محلية أيضًا.


لقد دُفع الكثير منكم إلى الاعتقاد بأن قانون الحقوق المدنية الذي تم الإعلان عنه كثيرًا والذي تم تمريره مؤخرًا هو علامة على أن أمريكا تبذل جهدًا صادقًا لتصحيح الظلم الذي عانينا منه هناك. هذه المناورة الدعائية هي جزء من خداعها واِحتِيَالها لمنع الدول الأفريقية من إدانة ممارساتها العنصرية أمام الأمم المتحدة، كما تفعل الآن فيما يتعلق بنفس ممارسات جنوب أفريقيا.


أقرت المحكمة العليا في الولايات المتحدة قانونًا قبل عشر سنوات يجعل نظام الفصل العنصري في أمريكا غير قانوني. لكن الحكومة الفيدرالية لم تطبق هذا القانون حتى في الشمال. إذا لم تستطع الحكومة الفيدرالية تطبيق قانون أعلى محكمة في البلاد عندما يتعلق الأمر بحقوق متساوية في التعليم للأفروأمريكيين، فكيف يمكن لأي شخص أن يكون ساذجًا لدرجة أنه يفكر في أن كل القوانين الإضافية التي تم إصدارها بموجب قانون الحقوق المدنية سيتم تطبيقها؟


هذه ليست سوى خدع تستخدمها القوى الاستعمارية الجديدة الرائدة في القرن. بالتأكيد، لن يقع إخوتنا الأفارقة الناضجون فكريًا في هذه الخدعة.


قررت منظمة الوحدة الأفريقية الأمريكية، بالتعاون مع تحالف من قادة ومنظمات سوداء أخرى، رفع نضالنا من أجل الحرية فوق المستوى المحلي للحقوق المدنية. نحن عازمون على "تدويل" المسألة بوضعها على مستوى حقوق الإنسان. لم يعد نضال حريتنا لأجل الكرامة الإنسانية محصورًا في الاختصاص المحلي لحكومة الولايات المتحدة.


إننا نناشد الدول الأفريقية المستقلة مساعدتنا في عرض مشكلتنا أمام الأمم المتحدة، على أساس أن حكومة الولايات المتحدة عاجزة أخلاقيًا عن حماية أرواح وممتلكات 22 مليون أفروأمريكي. وعلى أساس أن حالتنا المتردية أصبحت بالتأكيد تهديدًا للسلام العالمي.


وصل شبابنا بفعل الإحباط واليأس إلى نقطة اللاعودة. لم نعد نؤيد الصبر وإدارة الخد الآخر. نؤكد على حق الدفاع عن النفس بكافة السبل اللازمة، ونحتفظ بالحق في أقصى درجات القصاص من مضطهدينا العنصريين، مهما كانت الاحتمالات ضدنا.


من الآن فصاعدًا، إذا كان يجب أن نموت بالضرورة، فسوف نموت ونحن نناضل ولن نموت وحدنا. نحن نعتزم أن نرى مضطهدينا العنصريين وهم يتذوقون أيضًا طعم الموت.


نحن ندرك جيدًا أن جهودنا المستقبلية للدفاع عن أنفسنا بالرد - من خلال مواجهة العنف بالعنف والعين بالعين والسن بالسن - يمكن أن تخلق نوعًا من الصراع العنصري في أمريكا والذي قد يتصاعد بسهولة إلى حرب عرقية دموية عنيفة في جميع أنحاء العالم.


لذلك فإننا نناشد رؤساء الدول الأفريقية المستقلة من أجل السلام والأمن العالميين، أن يوصوا بإجراء تحقيق فوري في مشكلتنا بواسطة لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان.


لو أن هذا النداء المتواضع الذي أعبر عنه في هذا المؤتمر لم يُصاغ بشكل صحيح، فليأت إخوتنا الأكبر، الذين يعرفون اللغة القانونية، لمساعدتنا وصياغة نداءنا باللغة المناسبة اللازمة لسماعه،


كلمة أخيرة يا إخوتي الأحباء في هذه القمة الأفريقية:


"لا أحد يعرف السيد أفضل من خادمه". لقد كنا خدمًا في أمريكا لأكثر من 300 عام. لدينا معرفة دقيقة وداخلية حول هذا الرجل الذي يسمي نفسه "العم سام". لذلك، يجب أن تلتفتوا إلى تحذيرنا: لا تهربوا من الاستعمار الأوروبي فقط لتصبحوا أكثر استعبادًا بواسطة الدولارية الأمريكية "الصديقة" المخادعة.


لينعم الله عليكم جميعاً بالعافية والحكمة. السلام عليكم.


مالكوم إكس، الرئيس

منظمة الوحدة الأفريقية الأمريكية




* الموقع الإلكتروني للفنانة نيسنغا نايت https://nsengaknight.com/













Comments